الحركة المسكونية "ecumenismo" وحوار الأديان وعلاقتها مع الإسلام بإيطاليا
ذ. أحمد براو
روما- 2022/05/30
6:30
مدة القراءة دقيقتان
المهتمين بالشأن الديني من جميع الطوائف في إيطاليا، لابد أن يكونوا قد تلقوا دعوة أو رسالة أو كتيّبا من طرف الحركة المسكونية التي تنشط بقوة تحت سكرتارية الأنشطة "Sae" للتقريب والحوار بين "الأديان" والمذاهب وأتباع الطوائف، ولها الفضل في إنشاء عدة جمعيات تكوين لجان واستقطاب شخصيات عامة وممثلي مجتمعات المؤمنين تحت شعارات "الوحدة بين المختلفين"، وحواراتهم من أجل السلام والتعاون عبر عقد اللقاءات الدورية وإحياء المناسبات والذكريات السنوية.
- ماهي الحركة المسكونية وما أهدافها
والمسكونية من كلمة السكن التي تعني "العالم المسكون بأكمله" وتعني أيضا الهدوء والطمأنينة، ووردت في القرآن الكريم في سياق سكَن الأزواج لزوجاتهم، من المساكنة قال تعالى: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ". وبذلك كان اختيار اللاهوتيين لهذا الإسم موفّق رغم العراقيل التي واجهتهم في سبيل تحقيق هدفهم الأول وهو التقريب بين الطوائف التي عرفت معارضات قوية بسبب اتهامات الهرطقة. وهذه الحركة هي عبارة عن فكرة أدت إلى مبادرة قام بها عدد من العلماء الأرثودكس وغيرهم من اللاهوتين من طوائف أخرى، هدفها الأسمى كان العمل على تقريب العالم المسيحي من بعضه، وفتح باب التبادل الفكري والنقاش اللاهوتي بين الطوائف المسيحية. وبذلك تقريب الفكر وكسر الحواجز التاريخية الموجودة بين طوائفهم.سياسة الحركة المسكونية تظهر جليا عند قراءة كتب ودراسات أو مقالات ومحاضر أعضاء الحركة المنتشرة في ربوع إيطاليا، فهي تتبع سياسات عديدة منها السياسة العامة، والتي تختص بطائفة معينة على المستوى العالمي، والسياسة الجغرافية، والتي تختص بطوائف مسيحية بالدرجة الأولى في منطقة جغرافية واحدة، التي تختص في بطريركية أو كنيسة معينة. بالإضافة لاهتمامها كذلك بالشأن الديني غير المسيحي كاليهودية والإسلام والبوذية والبهائية وغيرها من أجل بناء جسور التعارف والتلاقي والحوار وعقد لقاءات للصلاة والتلاوة و إعداد برامج تثقيفية وتعليمية وإنتاج كتيّبات وعقد مناظرات تهدف لكسر الحواجز وإرساء التعايش والأخوة الإنسانية بين جميع الطوائف والتيارات والأديان والشرائع. تبدأ الحركة المسكونية بالسياسة العامة، بحيث تقوم بتبسيط قيمة الإختلافات العقائدية الموجودة بين الطوائف ثم تقوم بتغير أسماء هذه الطوائف إلى أسماء لا تدل على عقيدتها، وإنما أسماء لها صلة بالكنيسة بشكل خاص. وبهذه الطريقة تختفي الأسماء القديمة التي تم إدانتها من قبل المجامع المسكونية السبعة.الحركة المسكونية هي فكرة فعالة، والرغبة في محاربة الانقسام عن طريق الحوار بين الطوائف المسيحية. بحيث سعت للأنشطة في وحدة الأديان طيلة فترة وجودها والمسكونية هي وسيلة لا حدود لها لتحقيق الأمل من أجل التكامل الديني عامة.وشجع عليها المجمع الفاتيكاني الثاني بأنّ تعليم الكنيسة الكاثوليكية ينصّ أن «إنشاق الكنائس، يدرج في إطار الخطايا التي تتطلب القيام بفعل ندامة وتوبة كبير. لقد عانى اتحاد الكنائس في الألف الثانية وبسبب «كلا الطرفين» تمزقات تناقض مناقضة صريحة إرادة المسيح وتشكل سبب شك للعالم... ومن الضروري أن نكّفر عنها، ملتسمين الغفران بكل قوانا». رسالة يوحنا بولس الثاني 1993كما كان لها اهتمام بالغ بالحوار المسيحي اليهودي، إذ تعتبر الكنيسة الحوار مع اليهود «جزءًا من الحوار المسيحي الداخلي». عندما شرعوا في بناء جسور وعلاقات وإقامة حوار بناء مع الطوائف اليهودية يكون مثمرا يتفق فيه على مواضيع تهم الطرفين كالمجد والعهود والشرائع والتبني.
- موقع الإسلام من المسكونية وحوار الاديان بإيطاليا
أما بخصوص المسلمين فقد بدأ التقارب بين الجمعيات والمراكز الإسلامية وباقي ممثلي الأديان والمذاهب والطوائف الأخرى عبر الحركة المسكونية بداية القرن الحالي منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر، مُتَحدّين بذلك حاجز الخوف والقلق والتوجس الذي بدأ ينشأ داخل المجتمع الإيطالي مع كل ما يرمز للإسلام والمسلمين، فكانت المبادرة من الحركة المسكونية لطرق أبواب المراكز الإسلامية والمساجد ودعوة الأئمة والنشطاء لإقامة ندوات وحوارات ولقاءات لشرح نظرة الإسلام للعنف والإرهاب ونبذه للتطرف والإنعزالية وبذلك فتحت الأبواب للجالية المسلمة للمشاركة جنبا إلى جنب مع باقي ممثلي الأديان في الحوارات وإبداء وجهات نظرهم حول الأمور المتعلقة بالسلم المجتمعي والسلام العالمي والأخوة الإنسانية ويوم الصداقة المسيحية الإسلامية التي تعقد كل سنة أواخر شهر أكتوبر وكذلك مشاركة ممثلي الجاليات المسلمة سنويا في اللقاء العالمي الشهير حول السلام ببلدة أسيزي في مدينة بيروجيا.لاننكر أنه كانت هناك في البداية معارضة قوية من عامة المسلمين وخاصتهم لمبدأ الحوار وظهرت كذلك انشقاقات عبر نقاشات هامشية حول بعض المصطلحات والمعاني والمغزى من هذا الإنفتاح للمسلمين على باقي المؤمنين بغير الإسلام وغيرهم من العلمانيين اللادينيين واللا-أدريين، كما لجأ بعضهم لاعتبار أن هذه ضرورة لإجابة الدعوة فقط وبدون دراسة وتعمق. ممكن نشارك ولكن فقط استجابة لمبدأ العلاقات العامة وفي الأخير نَحذَر ونُحذِّر منهم لأن أهدافهم خبيثة، وهم أصلا يكرهون الإسلام ويعادونه، وبالتالي نشأت داخل المراكز الإسلامية ثقافة الحكم المسبق لهذه الأنشطة ولم يحصل مسار تفاعلي وتعرقلت المشاركات من جانب المسلمين وضاعت فرص ممكن كانت قد تفرض على الجانب المؤسساتي الإيطالي إعطاء حقوق دينية للمسلمين إسوة بغيرهم، خصوصا في الجانب التربوي والتعليمي وفيما يتعلق بكل خصوصيات الإسلام وحاجات المسلمين التعبدية التدينية المختلفة.والآن وبعد عقدين من الزمن تنبّه المسلمون إلى هذا الأمر سيما بعد العراقيل التي وضعت أمام إبرام الإتفاقية الخاصة بالإسلام مع الدولة. وأجمع الجميع وخصوصا ممثلي الجاليات الإسلامية على أَهمية الحوار بين الأديان بغض النظر عن المسميات، فيما المسلمون كأقلية في حاجة ماسة لكي يفهمهم غيرهم ويتفهمون أوضاعهم المزرية ويتعاونون معهم من أجل الصالح العام وتقاسم المصالح وتقديم الخدمات لمجتمعاتهم الدينية وطوائفهم على حد سواء، بل وأصبحت الدعاية لذلك تعد فعلا محمودا يدعو للإفتخار والتشجيع لأنه يصب في صالح الإسلام والمسلمين في إيطاليا.